كتاب واراء
مجالسنا المنتخبة …وخرافة التنمية
بقلم : المختار زابيلا
يحكى في الزمن الفائت من ذاكرة وادنون أن إجتمع مشايخ إحدى المجالس المنتخبة وإتفقوا مع رئيسهم على شراء ما لذ وطاب من فاكهة العنب ، بحيث يخصص لكل واحد منهم سلة صغيرة من هذه الفاكهة اللذيذة ، وأن يأمر لخدامهم بحملها ونقلها إلى بيوتهم العامرة بزوجاتهم، وذلك لكي يتفرغوا السادة الأعضاء لعملهم ، ويهتموا بمشاكل أهل البلاد والعباد.
ويحكى أنه لما أنفض الجمع عاد كل نفر من أهل الحل والعقد إلى بيته لأخذ قسط من الراحة ونسيان تعب العباد ، وأمر كل واحد من السادة الكبار زوجته بإحضار سلة العنب ليتمتع بلذته وحلاوته.
والغريب أن كل زوجة من زوجات السادة الكبار ردت بنفس الجواب: لقد أكلناه ولم يتبقى منه شيء .
فقام السادة الكرام وخرجوا من بيوتهم وزوجاتهم تنادين عليهم قصد الرجوع للدار، ومع ذلك لايستجيب أي منهم لنداء أهل الدار، وعادوا ليجتمعوا في نفس المكان بعدما مر كل شيء عبر الهاتف النقال.
وهنا قرر الجميع الذهاب لأحد سماسرة الأراضي وقالوا له نريد منك قطعة أرضية لنشتريها في أفضل مكان من الحاضرة ، واختاروا لذلك مقاولا عليما ، وفرضوا عليه أن يبني مستشفى جميلا ومدرسة تنشر العلم شمالا ويمينا.
وكلفوا بذلك مهندسهم الكبير مرافقا للمقاول، وأراه الأرض قائلا: الآن أريد أن تبدأ أمامي بالعمل وفي الحال أحضر العمال وإبدأ في البناء والتشييد ..
ورجع المهندس يخبر الجمع الغفير بكل كبير وصغير ، وإطمأن الرئيس وأعضائه ، وعادوا إلى بيوتهم. فسألتهم زوجاتهم مرة أخرى لما عادوا. أين كنت يازوجي؟
وأتفق السادة الكبار على جواب واحد موحد : الآن نموت ونحن مرتاحي البال لأنكم ما لم تذكروننا بحبة عنب ونحن أحياء ،فكيف لكم أن تذكروننا بالصدقة بعد موتنا ..
وهكذا تعلم أبناء المدينة ، وحازوا الشواهد وبلغوا من العلم الدرجات، ووصلت الأمية درجة الصفر في المدينة ، وأستفاذ السكان من التطبيب ، وعمر المستشفى السنين ،ولم يعد أحد مريضا وإشتغل الفقير…
والحقيقة كما قرأت من الأدب القديم ، بيتا شعريا لأحد عمالقة الشعر العربي ،وأحسنهم نظما وأزجلهم لفظا : المتنبي
بعيني رأيت ذئبا يحلب نملة
ويشرب منها رائق اللبن
السخرية في أكبر تجلياتها ترسم مشهد رجل متكبر أمام إمرأة ضعيفة وفقيرة تبيع السمك.
مجالس ….أمام أقاليم جهة فقيرة.
«يحكى أنه كان في قديم المجالس…..»